المؤلهة الليبية

هذا النحت الرخامي الرائع، والذي يعرض حاليا في المتحف البريطاني في لندن. على اليسار تظهر المؤلهة "ليبيا" وهي تتوج الحورية "قورينا" التي تظهر وهي تخنق أسدا. كيف؟ متى؟ لماذا؟ قد يتساءل البعض عن جذور اسم ليبيا، بحيث ان المؤرخين الاغريق كانوا على اعتقاد بوجود مكان اسمه ليبيا ولكنه لم يكن معرف بتحديد جغرافي دقيق، فقد أعتبرها البعض قارة، أي اوروبا وآسيا وليبيا. عموما، عقلية الاغريق وطبيعتهم كانت تجعلهم يؤلهون كل ما هو طبيعي، بما فيها الأماكن والمدن. هيرودوتس مثلا رأى ان المؤلهة أخذت اسمها من امرأة محلية تسمى ليبيا. والأروع من ذلك، أنها كانت دائما تظهر في المنحوتات بملامح ليبية مثل ظفائر الشعر وجدائله التي كانت تختلف عن مثيلاتها من النساء الاغريقيات والرومانيات. جدير بالذكر أن هناك منحوتات في روما وأرضية فسيفساء من ارمينيا تظهر فيها ليبيا مما يدل على شهرتها. ولكن هناك من يرجح أنها كانت معبودة من بعض السكان الليبيون الأصليون قبل أن يأتي الاغريق ويأخذوا بها كرمز للبلاد.

قورينا، وباختصار هي المدينة الاثرية في شحات والتي أسسها بعض المهاجرين الاغريق قرابة عام 630 قبل الميلاد. ترجع تسميتها الى حورية، وهي تختلف عن حوريات البحر، ورغم أنها لم تكن من الالهة، بل كان يستخدم المصطلح للاشارة الى نوع راقي من السيدات الجميلات اللاتي يسكن الجبال والأنهار ويحبن الرقص والغناء، كانن أقرب الى الأسطورة وخالدات ولسن مجرد نساء عاديات. سيرين (او قورينا) كانت من اولئك الحوريات. واسمها في الاغريقية يعني "الملكة ذات السيادة". تقول الأسطورة بأنه عندما هاجم أسد خرفان أبيها، قامت قورينا بمصارعة الأسد بيديها المجردتان وقامت بصرعه. الاله ابولو والذي كان متواجد وشاهد ذلك الحدث، وقع في حبها وثم قام باختطافها واخذها الى شمال افريقيا، تحديدا حيث أنشئت مدينة قورينا.

بعيدا عن الأسطورة، نعود للواقع فقد تم اكتشاف هذه القطعة الرخامية في اثار قورينا عام 1861، تحديدا عند مبنى يعتقد بأنه معبد افروديت. ربما لاحظ أحدكم أن هناك نقشا أسفل الصورة. يعتقد علماء الأثار ان الجزء المنحوت يرجع لعام 790 أما النقش فعام 1061. النقش بالاغريقية ويعني نصا: "كاربوس يهدي هذا أعلى أسكفية الباب لأم المدن كافة وقاتلة الأسد سيرين، لإظهار امتناني بحسن ضيافتها الرائعة. ليبيا نفسها تقوم بتتويجها، والتي تحمل مجد كونها قارة ثالثة".